الهاءات الـثـلاثـة، بمنظار تربوي

الهاءات الـثـلاثـة، بمنظار تربوي.

باطلاعنا على الفلسفات التربوية، على مر العصور، ومن واقع عملنا، في مجالها، لما يزيد على ثلاثة عقود، وجدناها، مُختلفة، تماماً بين سائر الأمم والشعوب، لأسباب مُتعددة، ومنها معتقداتهم الدينية، وقيمهم، الاجتماعية، وثقافتهم، والقوانين التي وضعوها، لتحقيق ما يطمحون إليه من أهداف وغايات، في كافة مجالات الحياة، فعلى سبيل المثال كانت الفلسفة التربوية لدى الكنيسة الكاثوليكية، في القرون الوسطى، تحرص على إماتة الشهوات، وإهمال الجسم لتتنقى الروح، وتنجو من عذاب جهنم، بينما كانت الفلسفة التربوية لدى الشيوعيون، والذين لا يؤمنون بوجود الله، تهتم بالعلم، وربطه بالإنتاج، والقيام بتربية الأبناء، وفق المنهج الاشتراكي، من خلال، منصات شبابية لمزاولة مناشط، مُعينة لتحقيق هذا الهدف، أما اليونانيون القدماء، فقد كانت فلسفتهم التربوية، تسعى لتحقيق السعادة لأفرادهم، وجعلهم أبطالاً، ومُطيعون، لدولتهم، فيما، دعا مُفكرون انجليز، للاهتمام بتربية اليد والرأس والقلب والتي أطلقوا عليها(الهاءات الثلاثة) لبدء أحرفها، بالهاء باللغة الإنجليزية Hand, Head, Heart لاعتقادهم بأنها الأساس، لبناء، الإنسان، بينما تجاهلوا، بالمقابل الوجدانيات، ممثلةً، في العواطف والانفعالات والإرادة، والمشاعر والأحاسيس، والبصيرة والضمير، وغيرها، كثير، من الفلسفات الأخرى، كالوجودية(الأنطولوجيا)والمعرفية (الأبستيولوجيا) والواقعية والانتقائية والهلامية والرأسمالية والاشتراكية والعلمانية، والرحمانية، والميتافيزيقية، والتحليلية والبنيوية والداروينية والتي لا يتسع المقام، للحديث عنها، علاوةً على البرجماتيةأو (الذرائعية) وما يدور في فلكها من ديموقراطية، وعلمانية، ولبرالية، وجميعيها قاصرة أو باطله، لكونها لم ترق بالإنسان إلى المستوى الذي يليق بمكانته وكرامته، تحقيقاً، لقوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) إلى قوله (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) وبالتالي لا غرابة، وقتما استشرى، بين ظهراني تلك الشعوب بما فيهم المجتمعات الغربية المعاصرة والتي سارت على نهجهم وتوارثت فلسفاتهم، التفسخ والانحلال، الخلقي، إلى الحد الذي ابتدعوا فيه، بما يُسمى بالأم المستأجرة، وزواج المثلين، وكثرة الجرائم، والاضطرابات العقلية والنفسية، ناهيكم عن الزهو بالنفس، والتسلط، والتمييز العنصري، وهذا ما شهد به الفيلسوف الأمريكي هوستون حينما قال(عندما سمحنا لأنفسنا بالتحلل والتفسخ الخلقي ازدادت الجرائم، لدينا وأصبحنا نعيش وراء القضبان الحديدية، وهو ما يدل على أن مُخرجات تلك الفلسفات غير خلاقة، الأمر الذي دفع بالكثير منهم للتخلي عن دياناتهم، والدخول في الإسلام، عن قناعة تامة، ومن بينهم، مارتنس روكاردي، الفلبيني، والذي قال بعدما أسلم: لقد أحسست بالسعادة، وأدركت، مدى موافقة الإسلام للعقل البشري، ونأيه عن الخزعبلات التي كنت اسمعها في الكنيسة منذ تعميد المولود وحتى التثليث في الآلهة، فيما قال رايموند لويس: بأن الإسلام هو الحجر الأساسي لكل صرح قويم تُبنى عليه الأخوة البشرية، وهو ما يعكس وجهة نظر، أولئك الذين نعتوا، الإسلام، بأنه رجعي وتخلف فكري، وإرهابي، بينما هو، يُمثل النبراس الذي يُنير، للبشرية، دروب الخير، ويرشدهم لعبادة الله، على هدى وبصيرة، ويكفل، لهم حقوقهم، ويحفظ كرامتهم ويصون محارمهم ويحثهم على البر والتقوى والإحسان وكسب المال الحلال، وتلبية غرائزهم، بما يتوافق مع الفطرة الالاهية، فلا يحبسوها، كما تفعله الرهبانية والبوذية والزرادشتية، ولا يطلقوا لها العنان، كما تفعله السادية والاباحية، بالإضافة لإعمال العقل بالتفكر والتدبر، في مخلوقات الله لزيادة الإيمان وإعمار الأرض ، وتنمية القدرات العقلية، والتشجيع على البحث العلمي، لاكتشاف أسرار الطبيعة، والتحلي بالحكمة والصبر والتواضع، والترفيه عن النفس بما هو مُباح، امتثالاً، لقوله تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) علاوة على التعاون وإقامة العدل وتحقيق الأمن والسلام، العالمي والابتعاد عن الظلم، والغلو والتطرف، ونبذ المعتقدات الهدامة، وإلى أيضاً، بناء الإنسان المسلم، تربوياً وتعليمياً، وجسمياً، ونفسياً، وعقلياً، وأخلاقياً، وجمالياً، وسلوكياً، فطوبى لإمة الإسلام، وهي تتفيأ ظلال هذا الدين القويم، وتربي، أبنائها وبناتها، على أساسه المتين، والخالد إلى يوم الدين، في زمن، طغت فيه الماديات والمغريات، والاباحيات على مكارم، الأخلاق، والتي زاد من توهجها وانتشارها على نطاق واسع، وسائل إعلامية، وتقنية، وقنوات فضائية فاسدة، ودونما، خجل، من أصحابها أو خوفهم من الله تعالى، ولعل ما يُلاحظ من تقليد بعضاً، من شباب وشابات أمة الإسلام للغربيين، كلبس البنطلونات الضيقة، أو القصيرة، أو التي تُظهر المحاسن أو المُشققة، من الرُكب، أو لبس فنايل مكتوباً عليها أسماء رياضيين أجانب، أو تعليق قلائد في العنق أو وضع أساور في أحد اليدين، أو حلق في الأذنان أو إطالة شعر الرأس وربطه من الخلف، ظناً منهم بأن هذا السلوك نوع من التمدن والتحضر، لهو خير شاهد على ذلك، جاء في الحديث (من تشبه بقوم صار منهم) فالحذر الحذر، من تلكم الفلسفات التربوية الآنفة الذكر، لما لها من انعكاسات سلبية وخطيره على الأبناء لكونها، حصيلة، أفكار، لفلاسفة، لا يؤمنون بالله ولا برسلة ولا بكتبه ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره، وعدم الانجراف من ناحية أخرى وراء المُظللين، والمعادين للإسلام، أو تقليدهم، أو التفاخر بحضاراتهم، العارية في معظمها، من القيم، النبيلة والأخلاق الكريمة، فهم شعوب تنقض العهود والمواثيق، ولا ذمة لهم، امتثالاً، لقوله تعالى(وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)

Loading

Scroll to Top