لم تكن التغذية الراجعة معروفة، منذ القدم وحتى منتصف القرن العشرين، وفي عام 1948م قام نوبرت واينر، بوضع مفهوم خاص بها، ثم اعقبه العالم الأمريكي (ويتر) ومعه آخرون، فقاموا بتطويرها، لتصبح على النحو الذي نعرفها اليوم، وهي تعني القيام بتزويد، الشخص بنتائج ما تعلمه أو قام به من عمل لمساعدته على الاستمرارية، إذا ما كان عمله يسير بصورة صحيحة أو تعديل ما قد يكتنفه من قصور، لرفع أدائه للأفضل، لخدم العمل الذي ينتمي إليه، فيما اعتبرها المفكر(مهرنز، وليمان ) بأنها وسيلة ناجعة، لتحقيق أقصى ما يمكن، لأي عمل من العطاء وجودة الإنتاج، وفي القرآن الكريم، آيات كثيرة تُبين مدى أهميتها، في مُجمل الحياة، فعندما طغى، فرعون وتجبر، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه موسى وأخيه هارون عليهما السلام، بالتوجه إليه قائلاً لهما ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) أما في السنة النبوية، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل، الذي أخطأ في صلاته، لأكثر، من مرة بإعادة صلاته حتى أحسن تأديتها، وفي رواية أخرى قام، عليه الصلاة والسلام بتعليمه كيف يصلي؟ من خلال التطبيق العملي، بينما طلب أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ممن حوله من المسلمين وقتما تولى الخلافة بقوله( إني وُلِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني. أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم) ففي هذا البيان تغذية راجعة ممثلة في العون والمساعدة، وتقويم السلوك وتصحيح الأخطاء أنى وقعت، ففي هذه المقولة، تغذية راجعة إعلامية؛ وفورية، ولفظية، ولأهمية التغذية الراجعة لحياة للشعوب جميعها، فقد اتسع نطاقها، لتشمل مُختلف المجالات التربوية والتعليمية والنفسية والفيزيولوجية والجيولوجية والهندسية، بالإضافة للاتصالات والفنون المتنوعة، وفي نفس الوقت بقدر ما تُظهر، للموظف أو المتعلم نتيجة ما تعلمه أو قام به من عمل سواءً، أكان صحيحاً، أم خاطئاً، بقدر ما تُساهم في زيادة دافعيته وتعزيزه، وتشجيعه على الاستمرارية، لا سيما في حالة تحقيقه لنتائج إيجابية، ناهيكم عن بناء الثقة وتحمل المسئولية ومعرفة ما حققه الفرد من أهداف منشودة، وما بقي عليه للقيام بإتمامه، ولها أنواع ومنها(1) تغذية داخلية وهي المعلومات التي تزود، بها، الموظف أو المتعلم من خلال تجاربه وخبراته، وأفعاله المتكررة أي من داخل الفرد ذاته (2) تغذية خارجية وتتم من خلال، أشخاص لديهم، علم ودراية أو من قبل جهات معنية مُتخصصة، بالإضافة، لأنواع أخرى، غاية في الأهمية، لا يتسع المقام لتفصيلها، كالتغذية الفورية، والمؤجلة، والإيجابية، والسلبية، واللفظية، والمتلازمة، والمكتوبة والتصحيحية، والتعزيزية، والنهائية، والإعلامية، والتأكيدية، والفردية، والجماعية، أما أفضلها، ما يكون منها على الفور، ومكتوبة، على ورق أو مُستند، رسمي، للرجوع إليها عند الحاجة، فيما أثبتت أبحاث ودراسات بأن الموظف الذي يعمل دونما، يعرف نتائج عمله، وما يترتب عليه، فإنه لن يصل لمستوى التعلّم الجيد أو التقدم نحو الأفضل، أما الموظف الذي يقف على نتائج عمله وما حققه من إنجاز، فهذا، من شأنه، يزيد من عطائه، ولربما تميزه، وحتى تكون التغذية الراجعة فعالة، وتحقق أهدافها المؤملة، فلابد وأن يتحلى القائم عليها بالحكمة، والوعي وسعة الصدر وبعد النظر، علاوة على الأمانة والإخلاص والمثابرة، وأن يستخدم كلمات إيجابية، لا سلبية ولا جارحة، لكي لا يشعر الطرف الآخر بأنه محل نقد أو تقليل من شأنه، وأن تستند لما تمت مناقشته سابقاً، وأن تخضع لسياسة المنظومة، وأن تُركز، على النواحي المستقبلية، وقابلة، أيضاً للتنفيذ، وفي حالة التطبيق العملي لابد من توفر، شروط مُعينة ومنها (1) أن يكون التطبيق مستمراً، وشاملاً، وموضوعياً(2) أن تكون الأدوات المستخدمة أثناء التطبيق دقيقة وواضحة (3) أن يكون التطبيق بمنأى، عن التسلط والتهديد والسخرية والاطالة المملة (4) أن تستند نتائج التطبيق إلى أسس من الفهم الجيد، والتحليل العلمي الدقيق، علماً، بأن التغذية الراجعة قد تتم من خلال، ابتسامة للتعبير، عن الرضا، أو تقطيب الوجهة وتحديق العينين، بعدم الارتياح، ولعلنا نسأل ضمن هذا السياق، هل التقويم والتقييم والتغذية الراجعة معناها واحد؟ بالطبع لا، فالتقويم، عبارة عن تعديل، أو تصحيح أداء موظف مُجانب للصواب في أي منظومة عمل. أما التقييم، فهو إصدار حكم نهائي لأداء هذا الموظف عن فترة مُعينة، وفقاً، لمعايير كمية أو كيفية، بينما تقوم التغذية الراجعة، بتحسين ما هو قائم بالفعل لأداء مُوظف، للوصول به للأفضل في مجال عمله، وجميعها تتلاقى، لتحقيق جودة العمل والإنتاج، وهو ما تنتهجه عموم المؤسسات التربوية والتعليمية في كافة أنحاء العالم، من خلال، زيارة مُشرفين تربويين، لمعلمين داخل مدارسهم، لهدف توجيههم لأداءٍ أفضل، ينعكس أثره الإيجابي على تقدم طلبتهم علمياً، ودراسياً وأخلاقياً، قال صلى الله عليه وسلم( إنّ الله يحبّ أحدكم إذا عمل، عملاً، أن يُتقنه) وهو ما تحرص، عليه، معظم منظومات العمل والمؤسسات التشغيلية، أياً كان موقعها على خارطة العالم، لما لها من أهمية قصوى في تحقيق ما أمكن من الفوائد المرجوة لهذه الجهات، والله ولي التوفيق.