لقد كان جميلاً حقاً في نظر كل من عايشه ونحن من بينهم أيضاً. ذلك لأنه ليس هو مُجرد أيام وأسابيع وشهور وإنما هو يُمثل في واقعه تجليات رائعة ورائدة للقيم والأخلاق الكريمة السامية وتشبث الناس بها قولاً وعملاً. كيف لا والناس في ذلك الزمان دائماً ما تجدهم في وضع متلازم وصحبة دائمة وتجمع في أكثر الأحوال والظروف وكأنهم بين دفتي أسرة واحدة وتحت سقف واحد، وكل ذلك ناتج من عظم العلاقة الطيبة والحسنة التي تربطهم ببعضهم البعض والمشاعر الفياضة التي تؤطرهم على كافة الأصعدة ، والتي لم يجد ذلك الشاعر بداً من أن يقول حين رأى أو تخيل تلك الفتاة وهي متجهة إلى بيت جارهم ( طالعة من بيت أبوها * رايحه بيت الجيران ) على اعتبار تلكم الجيران في تلكم الحقبة تُمثل وكما أسلفنا بيوتاً ثانية لكل منهم إن لم تكن ملجأ ومأوى في حالة حدوث أي ظرف طارئ لا سمح الله. هذا عدا أمور أخرى ومنها تبادل الزيارات والمشاركة في الأفراح والأتراح وتربية الأبناء وتبادل الأطعمة والمأكولات والتعاون في انجازه مختلف الأعمال كالفلاحة والاحتطاب وأعمال البناء والخياطة والتنظيف وما شابه ذلك ، وهو الصنيع الذي اندثر مع واقعنا اليوم في معظمه إلى الحد الذي أصبح فيه الجار لا يعرف عن جاره شيئا، ولربما لا يعلم إذا ما توفى أحداً من أسرته اللهم إلا من خلال ما قد يراه من توافد المعزين عليه هذا إذا ما تابع ذلك عن قرب . في الوقت الذي أكد فيه ديننا الإسلامي الحنيف على مدى أهمية الصلة والتواصل بالجار كما في قوله تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ولكم أن تتصوروا في السياق نفسه بأنه ومن ضمن اهتمامات وحرص الجيران في ذلك الزمن الجميل أنه في حالة غياب رب الأسرة فإن جاره سوف يقوم بتوفير ما تحتاج إليه أسرته وأنه يضع ما قد أحضره بجوار الباب ومن ثم الطرق على الباب حتى إذا ما جاء أحداً من أفرادها والتي غالبا ما تكون الزوجة لكي تستلم هذه الاحتياجات دار هذا الجار ظهر وغادر المنزل دونما دخول إلى المنزل أو أن يرى تلك المرأة التي خرجت لأخذ هذه الاحتياجات من أمام الباب معتبراً ذلك نوع من العفة والاحترام ومن شيم الرجال وحمايةً وصوناً لعرض جاره وكأنه يقول كما قال الشاعر :
أنتِ أختي وأنتِ حُرمةُ جاري * وحقيقٌ عليّ حفظُ الجوارٍ
إن للـجـار إن تـغـيـب غـيـبـاً * حافظاً للـمغـيب والأسرار
ما أُبـالـي أكـان للـبـاب سـتـر * مسبلٌ أم بـقي بغـير ستارِ
هكذا كان الاهتمام بالجار إلى درجة أن كثيراً من الناس في ذلكم الوقت يعتبرون من يتهاون في القيام بواجب جاره أو حمايته أو دفع الأذى عنه أو تفقد أحواله عار عليه إلى الأبد. من جهة أخرى ورداً على من قال بأن واقع الجيران اليوم اختلف عما كان عليه في الماضي من حيث تنوع الثقافة وعدم وجود انسجام تام فيما بين هؤلاء الجيران نظراً لانحدارهم من مناطق مختلفة ومتباينة في عاداتها وتقاليدها أو من دول أخرى نقول لهم بأن نظرتكم هذه خاطئة تماماً بدليل أن هناك أسر ومن مناطق متفرقة من هذه البلاد بل ومن دول شقيقة جاءت لغرض العمل في مختلف المجالات وهي لا تزال على صلة بجيرانها بل هناك من تصاهروا فيما بينهم فباتوا أنساب وأرحام، وديننا الإسلامي الحنيف لم يجعل من تلك النظرة معياراً لهذه الرابطة الاجتماعية الخلاقة بقدر ما حرص على الاهتمام بها حتى لو كانت مع غير المسلمين كما بينته الآية الكريمة الآنفة الذكر والمتضمنة ( الجار الجنب ) والتي فسرها القرطبي رحمه الله على أنها تعني الجار الغريب ووافقه على ذلك أبي حجر العسقلاني والذي أضاف إليه أيضاً الكافر والأجنبي والعابد والفاسق لأجل أن يكون في هذه العلاقة نوع من تحقيق أوجه الخير والإحسان والفرص الممكنة لعرض الإسلام عليهم كما حدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم حين قام بزيارة جاره اليهودي لمجرد أنه لم ير الأوساخ والقاذورات التي اعتاد هذا اليهودي من رميها يومياً أمام بيته صلى الله عليه وسلم . فصلة الجيران مهمة للغاية ولقد قسم علماء الأمة الجيران إلى ثلاثة أقسام : جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم ذو الرحم فله حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم ، وجار له حقان وهو الجار المسلم. له حق الجوار وحق الإسلام. وأما الجار الذي له حق واحد فهو الجار المشرك وذلك بالإحسان إليه من مبدأ إحاطته بعظمة الإسلام ودعوته للخير والفضيلة والتسامح لعل هذا يساهم في ترقيق قلبه فيعتنق هذا الإسلام الذي هو مُبتغى كل من يتطلع إلى رضا الله وسعادة الدنيا والآخرة ، فلنحرص دائماً على تقوية العلاقة مع جيراننا فهم خير معين بعد الله وأسرع استجابة في حالة طلب المساعدة أو الاستغاثة، وإليكم الدليل القاطع على ذلك، ففي أحد السنين الماضية أصيب أحد الجيران بمرض مفاجئ في القلب ولكونه ليس لديه أبناء بمنطقته لكي يقوم أحدهم على الأقل بنقله لأقرب مستشفى لإسعافه وفي نفس الوقت لم يكن السائق الخاص به قريباً من سكنه فقد اضطرت زوجته لأن طرق الباب على أحد جيرانهم الساكنين داخل نفس العمارة، فما كان من ذلك الجار الشهم إلا وقد توجه لسيارته ومن ثم قام وبأسرع ما يمكن بحمل ذلك المريض والتوجه به إلى مستشفى قريب وما هي إلا ساعات معدودات ويتجاوز هذا المريض خطر ذلك المرض المفاجئ بفضل الله ثم بفضل ما قام به هذا الجار من جهود طيبة ومخلصة تجاه جاره حينما استغاثته زوجته، بعكس ذلكم الجار الذي توفي في شقته من جراء هبوط حاد في نسبة السكر لديه ولم يعلم أحداً من جيرانه عنه شيئا إلا من خلال انبثاق رائحة كريهة من شقته. علماً بأنهم أي الجيران يعلمون تماماً بأن هذا الرجل مُصاب بالسكر وهو مقيم لوحده. فصلة الجار أمر ضروري وعظيم ، ولذلك نبه الإسلام إلى ضرورة الاهتمام به والحرص الدائم عليه، فلقد قال النبي صلى الله عليه ذات مرة: أتدرون ما حق الجار؟ فأجاب بقوله: إن استعان بك أعنته، وإن أستنصرك نصرته، وإن أستقرضك أقرضته، وإن مرض عدته، وإن مات شيعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهده منها، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منه. وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره.
لقد كان جميلاً حقاً في نظر كل من عايشه ونحن من بينهم أيضاً. ذلك لأنه ليس هو مُجرد أيام وأسابيع وشهور وإنما هو يُمثل في واقعه تجليات رائعة ورائدة للقيم والأخلاق الكريمة السامية وتشبث الناس بها قولاً وعملاً. كيف لا والناس في ذلك الزمان دائماً ما تجدهم في وضع متلازم وصحبة دائمة وتجمع في أكثر الأحوال والظروف وكأنهم بين دفتي أسرة واحدة وتحت سقف واحد، وكل ذلك ناتج من عظم العلاقة الطيبة والحسنة التي تربطهم ببعضهم البعض والمشاعر الفياضة التي تؤطرهم على كافة الأصعدة ، والتي لم يجد ذلك الشاعر بداً من أن يقول حين رأى أو تخيل تلك الفتاة وهي متجهة إلى بيت جارهم ( طالعة من بيت أبوها * رايحه بيت الجيران ) على اعتبار تلكم الجيران في تلكم الحقبة تُمثل وكما أسلفنا بيوتاً ثانية لكل منهم إن لم تكن ملجأ ومأوى في حالة حدوث أي ظرف طارئ لا سمح الله. هذا عدا أمور أخرى ومنها تبادل الزيارات والمشاركة في الأفراح والأتراح وتربية الأبناء وتبادل الأطعمة والمأكولات والتعاون في انجازه مختلف الأعمال كالفلاحة والاحتطاب وأعمال البناء والخياطة والتنظيف وما شابه ذلك ، وهو الصنيع الذي اندثر مع واقعنا اليوم في معظمه إلى الحد الذي أصبح فيه الجار لا يعرف عن جاره شيئا، ولربما لا يعلم إذا ما توفى أحداً من أسرته اللهم إلا من خلال ما قد يراه من توافد المعزين عليه هذا إذا ما تابع ذلك عن قرب . في الوقت الذي أكد فيه ديننا الإسلامي الحنيف على مدى أهمية الصلة والتواصل بالجار كما في قوله تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ولكم أن تتصوروا في السياق نفسه بأنه ومن ضمن اهتمامات وحرص الجيران في ذلك الزمن الجميل أنه في حالة غياب رب الأسرة فإن جاره سوف يقوم بتوفير ما تحتاج إليه أسرته وأنه يضع ما قد أحضره بجوار الباب ومن ثم الطرق على الباب حتى إذا ما جاء أحداً من أفرادها والتي غالبا ما تكون الزوجة لكي تستلم هذه الاحتياجات دار هذا الجار ظهر وغادر المنزل دونما دخول إلى المنزل أو أن يرى تلك المرأة التي خرجت لأخذ هذه الاحتياجات من أمام الباب معتبراً ذلك نوع من العفة والاحترام ومن شيم الرجال وحمايةً وصوناً لعرض جاره وكأنه يقول كما قال الشاعر :
أنتِ أختي وأنتِ حُرمةُ جاري * وحقيقٌ عليّ حفظُ الجوارٍ
إن للـجـار إن تـغـيـب غـيـبـاً * حافظاً للـمغـيب والأسرار
ما أُبـالـي أكـان للـبـاب سـتـر * مسبلٌ أم بـقي بغـير ستارِ
هكذا كان الاهتمام بالجار إلى درجة أن كثيراً من الناس في ذلكم الوقت يعتبرون من يتهاون في القيام بواجب جاره أو حمايته أو دفع الأذى عنه أو تفقد أحواله عار عليه إلى الأبد. من جهة أخرى ورداً على من قال بأن واقع الجيران اليوم اختلف عما كان عليه في الماضي من حيث تنوع الثقافة وعدم وجود انسجام تام فيما بين هؤلاء الجيران نظراً لانحدارهم من مناطق مختلفة ومتباينة في عاداتها وتقاليدها أو من دول أخرى نقول لهم بأن نظرتكم هذه خاطئة تماماً بدليل أن هناك أسر ومن مناطق متفرقة من هذه البلاد بل ومن دول شقيقة جاءت لغرض العمل في مختلف المجالات وهي لا تزال على صلة بجيرانها بل هناك من تصاهروا فيما بينهم فباتوا أنساب وأرحام، وديننا الإسلامي الحنيف لم يجعل من تلك النظرة معياراً لهذه الرابطة الاجتماعية الخلاقة بقدر ما حرص على الاهتمام بها حتى لو كانت مع غير المسلمين كما بينته الآية الكريمة الآنفة الذكر والمتضمنة ( الجار الجنب ) والتي فسرها القرطبي رحمه الله على أنها تعني الجار الغريب ووافقه على ذلك أبي حجر العسقلاني والذي أضاف إليه أيضاً الكافر والأجنبي والعابد والفاسق لأجل أن يكون في هذه العلاقة نوع من تحقيق أوجه الخير والإحسان والفرص الممكنة لعرض الإسلام عليهم كما حدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم حين قام بزيارة جاره اليهودي لمجرد أنه لم ير الأوساخ والقاذورات التي اعتاد هذا اليهودي من رميها يومياً أمام بيته صلى الله عليه وسلم . فصلة الجيران مهمة للغاية ولقد قسم علماء الأمة الجيران إلى ثلاثة أقسام : جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم ذو الرحم فله حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم ، وجار له حقان وهو الجار المسلم. له حق الجوار وحق الإسلام. وأما الجار الذي له حق واحد فهو الجار المشرك وذلك بالإحسان إليه من مبدأ إحاطته بعظمة الإسلام ودعوته للخير والفضيلة والتسامح لعل هذا يساهم في ترقيق قلبه فيعتنق هذا الإسلام الذي هو مُبتغى كل من يتطلع إلى رضا الله وسعادة الدنيا والآخرة ، فلنحرص دائماً على تقوية العلاقة مع جيراننا فهم خير معين بعد الله وأسرع استجابة في حالة طلب المساعدة أو الاستغاثة، وإليكم الدليل القاطع على ذلك، ففي أحد السنين الماضية أصيب أحد الجيران بمرض مفاجئ في القلب ولكونه ليس لديه أبناء بمنطقته لكي يقوم أحدهم على الأقل بنقله لأقرب مستشفى لإسعافه وفي نفس الوقت لم يكن السائق الخاص به قريباً من سكنه فقد اضطرت زوجته لأن طرق الباب على أحد جيرانهم الساكنين داخل نفس العمارة، فما كان من ذلك الجار الشهم إلا وقد توجه لسيارته ومن ثم قام وبأسرع ما يمكن بحمل ذلك المريض والتوجه به إلى مستشفى قريب وما هي إلا ساعات معدودات ويتجاوز هذا المريض خطر ذلك المرض المفاجئ بفضل الله ثم بفضل ما قام به هذا الجار من جهود طيبة ومخلصة تجاه جاره حينما استغاثته زوجته، بعكس ذلكم الجار الذي توفي في شقته من جراء هبوط حاد في نسبة السكر لديه ولم يعلم أحداً من جيرانه عنه شيئا إلا من خلال انبثاق رائحة كريهة من شقته. علماً بأنهم أي الجيران يعلمون تماماً بأن هذا الرجل مُصاب بالسكر وهو مقيم لوحده. فصلة الجار أمر ضروري وعظيم ، ولذلك نبه الإسلام إلى ضرورة الاهتمام به والحرص الدائم عليه، فلقد قال النبي صلى الله عليه ذات مرة: أتدرون ما حق الجار؟ فأجاب بقوله: إن استعان بك أعنته، وإن أستنصرك نصرته، وإن أستقرضك أقرضته، وإن مرض عدته، وإن مات شيعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهده منها، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منه. وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره.